الأخبار العربية | الأخبار – Yahoo! مكتوب

الخميس، 21 فبراير 2013

بقلم: نصر عبد الرحمن / الإخوان المسلمون : الصعود إلى الهاوية

الإخوان المسلمون : الصعود إلى الهاوية


توفر المصالح الطبقية الواضحة والمحددة مرتكزات قوية ، ونقاط انطلاق للتنظيمات السياسية للرأسمالية ، وللطبقة العاملة على السواء . لكن تنظيمات الطبقة المتوسطة تحتاج إلى إطار ثقافي قوي ، يعوض ضعف مرتكزاتها الطبقية ، ويستطيع تحقيق جذب جماهيري ، وتماسك تنظيمي يمكن هذه التنظيمات من إدارة الصراع . وفي أغلب الحالات التاريخية كان الخطاب القومي ، بدرجات متفاوتة من التشدد يوفر هذا الإطار . وفي حالات أقل ، اعتمدت الطبقة المتوسطة على الخطاب الديني .
وفي حالة الإخوان المسلمين ، اعتمد المؤسسون الأوائل للجماعة على خطاب ديني مرن لجذب المستهدفين ، وتماسك الأعضاء ، أكثر منه إطاراً مرجعياً . لذلك لم تظهر أدبيات الجماعة اعتماداً على إمام أو مفكر إسلامي بعينه ، كما انتقد حسن البنا آباء المشروع النهضوي الإسلامي : جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا . ولم تقدم الجماعة اجتهادات فكرية عميقة ، أو مفكرين كبار . حتى من ارتبطت أسماؤهم بالجماعة مثل الغزالي والقرضاوي كانوا على هامش التنظيم . ويبقى سيد قطب الوحيد من أعضاء الجماعة الذي ترك مشروعاً كبيرأ مزج فيه رؤية أبو الأعلى المودودي برؤية حسن البنا المتناثرة في المقالات والرسائل . لكن المشروع القطبي لم يكن مركزياً لدى الإخوان بسبب تطرفه ، خاصة بعد الضربة القوية التي وجهها عبد الناصر لهم منتصف الستينات ، وبعد التغير النوعي الذي شهدته عضوية الجماعة ، وانضمام أعداد كبيرة من المهنيين في السبعينات . والأهم هو تعارض الحركة على الأرض مع الخطاب الذي قدمته الجماعة ، ففي حين لم يرفع البنا شعار التغيير بالعنف بوضوح ، أدار جهازاً سرياً مسلحاً. و لم يكن تحالف البنا مع الانجليز أو مع الملك من منطلق ديني أخلاقي ، بل كان مجرد تكتيك سياسي محكوم برؤية برجوازية ناشئة ، تتلمس الطريق بحثاً عن دور سياسي يدافع عن مصالحها .
وفي هذا السياق كتب حسن البنا مقالاً في مجلة النذير عام 1938 مخاطباً الملك فاروق : " فعلى بركة الله يا جلالة الملك ، ومن ورائك أخلص جنودك ، وإن لنا في جلالة الملك أيده الله أملاً محققا " وإذا أعدنا صياغة العبارة دون ديباجة دينية سوف تصبح " نحن جنودك ونعتمد عليك في تحقيق آمالنا " وهي عبارة ترددت أصداؤها في التاريخ كثيراً . ربما قالها أحد ممثلي البرجوازية أمام قيصر روسيا ، وربما أرسل أحد أصحاب الياقات البيضاء بعبارة مشابهة إلى فرانكو وهو يزحف نحو مدريد . لقد تحالفت تنظيمات الطبقة المتوسطة كثيراً مع أنظمة دموية وفاسدة ، بدل أن تقاومها وتعلن الثورة عليها ، دفاعاً عن مصالحها ، ودون أدنى احترام لخطابها الأخلاقي .
خلفية متحركة ..
في عشرينات القرن العشرين ، كانت مصر دولة محتلة ، وكان الوفد قد تخلى عن جماهيره التي ناضلت في ثورة 19 ، بدخوله في مفاوضات بلا معنى وبلا نهاية مع الانجليز حول الجلاء . ولم يضع الوفد نصب عينيه سوى مصالح قادته من الإقطاعيين ، وتدخل ضد النقابات بحسم ، وقام بتجريم الاشتراكية . وكانت الطبقة المتوسطة الناشئة في قلب هذا الواقع تبحث عن مشروع للنهوض . وكان المطروح وقتها خطابان متشابكان ومتصارعان في نفس الوقت : الأول هو الخطاب القومي الذي أعلن العداء لتركيا وماضيها العثماني الدموي ، وارتكز على اللغة العربية كمكون جامع لكل الدول المتحدثة بها، بالإضافة إلى التاريخ المشترك ، ثم الدين . كان هدف المشروع بناء دولة قومية حديثة على غرار النمط الأوربي ، تعتمد فيها المواطنة على اللغة والعرق والدين. لكن هذا الخطاب لم يجد من تاريخ المنطقة نموذجاً يطرحه ، بالإضافة إلى إن جميع الدول العربية تقع تحت الاحتلال . كما كانت مفارقة النموذج العثماني أكثر إلحاحاً في الشام منها في مصر. ولقد عبر سعد زغلول عن رفضه للفكرة في نقاش مع عبد الرحمن عزام قائلاً أن اتحاد الدول العربية سيكون اتحاد أصفار " جمع صفر " وان مصر لديها ما يكفي من المشاكل .
الخطاب الثاني هو الخطاب الإسلامي الذي يعتمد على الدين كأساس للنهضة ، ويستند إلى تراث ممتد لقرون ، ويقدم تجربة من التاريخ حتى وإن كانت منتقاة ، ومحيطه أوسع من الدائرة العربية ، ومصر هي نقطة انطلاقه . بالإضافة إلى أن ملامح هذا المشروع تشكلت في مصر مقرونة بمقاومة الانجليزعلى يد الأفغاني ومحمد عبده منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى ذلك الوقت . أضف إلى ذلك تداعيات سقوط الخلافة الإسلامية ، ومحاولات إحيائها في القاهرة .
لقد نجح الوفد في إجهاض محاولة تنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين ، لكنه تراجع بعد ذلك أمام هذا الخطاب الإسلامي ، حتى أن جريدة الحزب وجهت نقداً قاسياً لكتاب الشيخ علي عبد الرازق " الإسلام وأصول الحكم " كما قدم الشيخ للمحاكمة وطرد من هيئة كبار العلماء بالأزهر . والطريف أن الشيخ ألف الكتاب بعد إلحاح سعد زغلول وقادة الحزب !!
الصعود ..
ظهرت الجماعة ، وتشكل خطابها ، وانتشر في ذلك المناخ المشبع بالإحساس بالهزيمة ، ومحاولات البحث عن روافع للنهضة . وحاز خطابها المرن قبولاً جماهيرياً ، وقبولاً من القصر والانجليز. وكان على المؤسسين الأوائل تبني تنظيم عنقودي الطابع ، لا يضع شروطاً للعضوية ، ويستهدف الأعضاء في سن الطفولة ( أشبال وكشافة ..) ويعتمد في التجنيد على ما هو أخلاقي : أي أن العضو لا ينضم إلى الجماعة بعد موافقته على أفكار سياسية بعينها . ويعتمد التثقيف على المبادىء العامة للدين الإسلامي ويتجنب النقاش فيما يثير الخلاف ، ويعوض غياب الاستراتيجية بإضفاء صبغة دينية على التكتيك السياسي . وقيادة التنظيم مركزية تفكر وتقرر ، بينما يلتزم الأعضاء بمبدأ السمع والطاعة .
ولم يمر وقت طويل حتى بنى التنظيم قواعد في عموم مصر ، وكان الخطاب أكثر قبولاً في المدن من الريف الذي كان في ذلك الوقت مملكة الوفد ، حيث تنتشر الأمية والفقر والعمل بالسخرة . والأهم من ذلك أن خطاب الإخوان لم يحمل في طياته حلولاً لمشاكل الفلاحين والعمال الزراعيين . وبالمثل لم يحمل خطابهم حلولاً لمشاكل الطبقة العاملة المصرية . لذلك كان الأكثر انجذاباً للجماعة صغار الموظفيين ووصغار التجار والحرفيين . أي أن القلب الصلب للجماعة تركز في البرجوازية الصغيرة في ذلك الوقت ، ولا ينفي هذا أن الخطاب كان قوي التأثير وحقق امتداداً كبيراً في المجتمع ، بل تجاوز حدود مصر .
الخيارات
كانت الخيارات المطروحة على الجماعة قليلة ، خاصة وهي تحمل رغبة الطبقة المتوسطة في إصلاح نظام راسخ يتكون من الانجليز الممثل القوي للرأسمالية العالمية ، والذي يربط مصر بمصانع بريطانيا وترتبط بوجوده مصالح ضخمة لقطاع من الطبقة المتوسطة ، كما أن وجودهم على الأرض مدعوم بقوة السلاح .
ثم الوفد .. الحزب القوي الذي يدير الدولة في أغلب الأوقات ، ويمثل مصالح كبار الإقطاعيين وأعيان الريف بشكل أساسي . وأخيراً الملك الذي يدير النظام وإن فقد بعض أوراق اللعبة ، فهو موجود بحق شبه إلهي ، كما أن وجوده مفروض على الجميع لأنه يمثل توازناً بين الانجليز والوفد ومجموعات المصالح الخارجة عن سيطرتهما.
كان على الإخوان أن يختاروا التحالف مع الملك ، وتحاشي الانجليز ، ومواجهة الوفد الذي يمثل طبقة فقدت شرعية ومقومات وجودها في القرن العشرين ، حيث تقف عائقاً في وجه التطور الرأسمالي ، وتعطل تمدد الطبقة الوسطى لأنها تحبس ملايين الأيدي العاملة الرخيصة في القرى، وهو الحلم البرجوازي الذي تحقق على يد عبد الناصر بعد ذلك .
وتحولت الجماعة رسمياً في مؤتمرها الثاني عام 1935 من جماعة دعوية للأمر بالعروف والنهي عن المنكر ، إلى جماعة سياسية ، وأعلن البنا رؤية الجماعة : الإسلام دين ودولة ، صلاة وجهاد ، مصحف وسيف . من هذا المنطلق يمكن أن نفهم مشاهد تاريخية لعناصر من الإخوان يهاجمون سرداقات الوفد الانتخابية، ويدعمون حكومة الديكتاتور إسماعيل صدقي في إطار صراع طبقي محدد المعالم، ليس مجرد وكالة عن الملك والانجليز فقط . ويفسر لنا أيضاً تحرك الجماعة ضد الطبقة العاملة بعد ذلك .
لكن جهود الإخوان بخطابهم الديني القوي لم تنجح في توجيه ضربة قوية للوفد تفتح مسارأ للطبقة المتوسطة لأن المعركة كانت محدودة بالمستوى السياسي فقط ، ولم تتطرق للإطار الحقوقي حول حدود ملكية الأرض الزراعية . ويجب ألا ننسى أزمة الرأسمالية العالمية بسبب الكساد العظيم في ذلك الوقت، وظلالها على الواقع المصري من مشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة ستستمر في تصاعد حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية .
أما الخيارالثاني للجماعة وهو العنف كان بتأثير الإحباط من المناورات السياسية عديمة الجدوى وتداعيات الأزمة الاقتصادية الاجتماعية ، أما التأثير الخارجي الأهم فكان ضرورة الكفاح المسلح ضد الصهيونية في فلسطين، مما أفرز جناح راديكالي يتبنى العنف كسبيل للتغيير، خاصة وأن الجماعة لم تطور خطابها لمواجهة الواقع الجديد في الأربعينات ، فالثورة ليست ضمن تصورها كتنظيم برجوازي ، هذا بالإضافة إلى اتساعها ، وافتقاد أعضائها للتجانس الفكري . لكن القلب الصلب لجماعة برجوازية رفض مواجهة النظام بشكل شامل ، مما حصر الاتجاه الجديد في عدة أعمال إرهابية ، ضمن مواجهة محدودة ومحسوبة .
ظلت جماعة الإخوان المسلمين تخشى المواجهة ، وفي نفس الوقت تخشى ضياع الفرصة ، ولقد دفعها هذا الوضع المتردد إلى تذيل القصر والانجليز فترة طويلة ، والالتفاف في دوائر مغلقة و الانخراط في مؤامرات تافهة . لقد أخطأت الجماعة في تقدير قوتها ، وفي التعامل مع الواقع الذي عاشته مصر بعد الحرب العالمية الثانية ، حتى ضاعت الفرصة .
المواجهة
أدى تدهور الأحوال الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية إلى صعود الجيش إلى السلطة في عدد كبير من دول الأطراف بسبب ضعف الطبقة العاملة ، وتردد الطبقة المتوسطة . وهذا ما حدث في عام 1952 على يد مجموعة من الضباط من أبناء البرجوازية الصغيرة ، انضموا للجيش إبان الحرب العالمية الثانية حين أحجم أبناء البرجوازية الكبيرة بسبب خطورة الحرب . لكن انحيازات الضباط الأحرار لم تكن انعكاساً لما هو شخصي قدر كونها تعبيراً عن قطاعات عريضة من الشعب المصري . لذلك لم يستسلم مجلس قيادة الثورة لتصورات الإخوان رغم التقارب بينهما بعد الثورة مباشرة . وكانت الجمهورية ( الدولة القومية ) هي الخيار الأول بالنسبة للعسكر لأن ثورتهم كانت ضد الملك بالأساس . كما اكتسب الخطاب القومي أرضاً جديدة خلال الأربعينات ، بعد إنشاء جامعة الدول العربية ، واكتشاف النفط في شبه الجزيرة العربية ، والتعامل مع القضية الفلسطينية من منطلق قومي ، خاصة وأن الجيش المصري تعرض للهزيمة والحصار على أرض فلسطين .
وكان خيار العسكر الثاني هو إنجاز مهمة الطبقة المتوسطة وتوجيه ضربة قوية للإقطاع والرأسمالية الكبيرة ، وفتح الطريق أمام إصلاحات جذرية للطبقة العاملة . وهو ما منحهم جماهيرية كبيرة ، جعلتهم يعيدون التفكير في العودة إلى الثكنات .
وجاء حادث المنشية ليضع الإخوان في مواجهة العسكر في لحظة مجدهم وشعبيتهم الجارفة ، وقلقهم العميق على دولتهم . وكان الصمت الشعبي على الضربة العنيفة التي وجهها عبد الناصر للإخوان قد أظهر مدى تقلص فاعلية خطابهم أمام إصلاحات النظام الجديد . وكان على الإخوان مغادرة المشهد في هدوء ،
لكن الجناح الراديكالي في الجماعة حاول تطوير الخطاب على يد سيد قطب ونظريته عن الحاكمية . لكن النظرية كانت حدية ، انعزالية ، ومفارقة للواقع حيث نفى قطب وهو يضع نموذج الدولة الإسلامية إمكانية تكرارها، ففي كتاب معالم في الطريق يرى أن الدولة الإسلامية قامت على أكتاف جيل فريد ، شرب من النبع الصافي للنبوة ، وهو شرط يستحيل تحقيقه مرة أخرى في التاريخ . لهذا لم تحظ بتأييد كبير وسط الجماعة وإن أثرت في هامشها الذي انفرط عنها في منتصف الستنينات .
فرصة جديدة
بعد النكسة وتمزق دولة عبد الناصر تخلت الطبقة المتوسطة عن الخطاب القومي ، وعادت إلى الخطاب الإسلامي ، هذه المرة بدفع من الدولة . حيث قرر السادات تصفية المقاومة الاشتراكية والناصرية لمشروعه الرأسمالي . وحدث تقارب بين الجماعة والنظام على يد عثمان أحمد عثمان الذي استدعى التلمساني لمقابلة السادات ورسم استراتيجية التحالف الجديد . ولم يجد التحالف الجديد مقاومة تذكر ، حيث لم يترك عبد الناصر مؤسسات سياسية للطبقة المتوسطة أو للطبقة العاملة ، كما كانت الشرائح العليا للطبقة المتوسطة تهفو إلى الصعود الطبقي والالتحاق بالمشروع الرأسمالي الجديد .
لكن المشروع الجديد كان طفيلياً يعتمد على الاستثمار التجاري والعقاري والنقدي ، ولم يحاول إنشاء قاعدة صناعية عريضة ، بل على العكس قام بتفكيك عشرات المصانع التي تركها النظام الناصري ، وحول أرضها إلى مشروعات عقارية من أجل تحقيق ربح سريع . كما ارتبط النمو الرأسمالي بالفساد الإداري للدولة ، وتذيل الرأسمالية العالمية. وكان على هذه الرأسمالية الطفيلية الاستئثار بالدولة ومنع محاولات الصعود الطبقي .
وفي عهد مبارك تصدت الجماعات الإسلامية المعتمدة على العنف للنظام ووجهت له ضربات متتالية على امتداد الثمانينات والتسعينات باغتيال شخصيات سياسية وفكرية ، وتهديد السياحة ومهاجمة البنوك في حرب هدفت إلى إضعاف الدولة ، لكن نظام مبارك سحق هذه الجماعات ، وأجبرها على إجراء مراجعات كبيرة . ورغم خروج هذه الجماعات من عباءة الإخوان ، إلا أن الجماعة صبرت على مبارك ، ولم تدفع الشارع إلي مواجهته ، وحاولوا الاندماج في مشروعه السياسي من الباب الخلفي عن طريق التحالف مع الوفد الليبرالي !! عام 1984 ثم مع حزب العمل ذو الميول اليسارية .
كان أبناء الفقراء والمهمشين قد فارقوا الجماعة محملين بالطرح القطبي وبأزمة اقتصادية تعصف بهم ، ويأس من التغيير ومن الحياة نفسها . وبالتالي اختلفت نظرتهم للدولة عن نظرة الإخوان مع انضمام أعداد كبيرة من المهنيين الذين كونوا ثروات صغيرة في الخليج ، ودفعوا قيادة الجماعة إلى تبني مطالب الشرائح العليا للطبقة المتوسطة .
ورغم أن النظام اعتبرها جماعة محظورة ، إلا أنه لم يتخذ ضدها إجراءات جذرية ، بل وسمح لها بالتواجد المكثف داخل النقابات . ولم تستغل الجماعة التي حصلت على تعاطف شعبي واضح وجودها في النقابات لإثارة معارك حول مستوى المعيشة والأجور المتدنية ، والأسعار المرتفعة ، بل تحولت النقابات إلى امتداد إداري للدولة ، ورصدت فيها بعض التجاوزات وحالات الفساد .
ورغم الطرق المسدودة ، أصرت الجماعة على الحل البرلماني وحازت على 88 مقعد في انتخابات عام 2005 بعد تزوير قوي ضدها . واعتبر كثير من المراقبين هذا الفوز انتقاماً من الحزب الوطني وسياساته ، لكنه أيضاً دليل واضح على قوة التنظيم وتماسك كوادره ، وتغلغله الواسع في أوساط الطبقة المتوسطة ، واتساع هيمنته المجتمعية . و بعد تردد تم تبريره بالخوف من بطش النظام ، التحق الإخوان بقطار الثورة و ظهرت قدرتهم على الحشد ، وبسالة شبابهم في الدفاع عن ميدان التحرير .
الهاويـــة
إن رفض الإخوان لمشروع عبد الناصر ، وقبولهم لمشروع السادات ، وصبرهم على مبارك هو تعبير سياسي عن توجه برجوازي واحد يرفض تحطيم الطبقة الأعلى ، ويحاول الالتحاق بها . وهذا ما نراه يتكرر أمام أعيننا بعد 25 يناير من توافق الإخوان مع مفردات النظام القديم من أجل الإبقاء على جوهر النظام دون مساس ، طالما أن هناك فرصة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية ، قد تضيع إلى الأبد إن سقط النظام .
وفي هذه اللحظة يلوح في الأفق بقوة ما انتظره الإخوان منذ عقود : الوصول للحكم . أهي جائزة يستحقها أكبر وأقدم تنظيم في مصر أم عقاب يستحقه أكثر التنظيمات تردداً ومراوغة ؟! يواجه الإخوان في لحظة صعودهم مشاكل كبيرة في بنية التنظيم والخطاب حيث اعتادوا العمل السري لعقود طويلة ، في ظل أنظمة قمعية مما أكسب الجماعة تعاطفاً شعبياً ، وحمى التنظيم من انتقادات كوادره وجمهوره ، وأعطى القيادة مبرر لتفسير مواقفها المتخاذلة .
وبعد أن كانت الجماعة تعاني من ازدواجية الرؤية بين السياسي والديني ، ستعاني من ازدواجية التنظيم بعد ظهور حزب العدالة والحرية . مما يؤدي إلى ارتباك في الأداء وصدامات محتملة بين جناحي التنظيم في المستقبل القريب ، فلن يقبل الحزب أن يدار عن بعد من قيادة الجماعة ولن تقبل القيادة منح واجهتها السياسية حرية أكثر من اللازم . كما تتعرض بنية التنظيم لتحد كبير في ضوء قلق شباب الجماعة من خيارات القيادة في الوقت الراهن ، مما يرسم خطوط انفصال داخل الجماعة تبدو بين أجيال متفاوتة في السن ، لكنها تعبير عن قلق أعمق وخطوط انفصال أوضح حول ما هو اقتصادي واجتماعي .
وسوف تفرض المرحلة القادمة تساؤلات حول إدارة التنظيم وتمويله ، وطريقة اختيار المرشد وتحكم رجال الأعمال والأثرياء في وضع أولوياته وهو ما أثير من قبل همساً . وقد تمتد التساؤلات إلى العلاقة بين القيادة الرشيدة وقواعدها الملتزمون بمبدأ السمع والطاعة خاصة بعد أن اختفت دواعي السرية.
ومع اقتراب الإخوان من الحكم ستوضع مقولتهم المركزية عن الدولة الإسلامية على المحك ، في ضوء إصرار قوى كثيرة داخل المجتمع على مدنية الدولة ، وحرص الجماعة على مغازلة المجتمع الدولي . وهو ما يفرض على الجماعة مواجهة المجتمع بما فيه المجلس العسكري ، أو المراوغة وبالتالي خسارة جمهور عريض تعاطف مع الجماعة من أجل هذا الهدف .
أما أخطر ما يواجه الجماعة هو صعودها السياسي ، دون حراك طبقي ، ودون طرح اقتصادي مغاير ، مما يجعلها تفارق أحلام الطبقة المتوسطة ، ويضعها في صف واحد مع الرأسمالية المصرية وبالتالي ستتحمل الجماعة بكل جرائم وآثام النظام القديم ، فسياسات الليبرالية الجديدة التي أنتجت فقراً وبطالة ، سوف تستمر في ذلك سواء طبقها الحزب الوطني أو الإخوان .
لقد صبر الإخوان طويلا حتى تسقط الثمرة بين أيدهم ، حتى تعفنت وأصبح التقاطها مأزق حقيقي . فالوضع الاقتصادي المتدهور ، وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية ، وبوادر أزمة عالمية أكبر في الشهور القادمة سيضع الجماعة في مواجهة شعب مصر ، وفي مقدمته الطبقة العاملة ، ويسقط عنها الغطاء الأخلاقي الذي طالما حماها في الماضي ، ويكشف عجز خطابها عن حل مشاكل الواقع . ليتحول حلم الصعود إلى كابوس الانهيار.

المصدر www.e-socialists.net/node/7042

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق